الكاتبة الفلسطينية نردين ابو نبعة..طفولة هاربة من مدينة الجليد!

149090مصطفى البقالي (2007) *

طفولة هاربة من مدينة الجليد، أم طيبة تسكن أرخبيل الابتسامة، و أديبة مميزة تكتب للكبار والصغار:  تكتب للإنسان..و تنتصر لقضاياه..تعيش همومه، تبكي من أجله..و لكنها دائما تبقى مبتسمة رغم كل شيء.


قيل لها ذات يوم إن تلك الطفلة التي تعيش بهواء قريتها- التي تعرف تفاصيلها شبرا شبرا..حجرا حجرا، تماما كما وصفها  أبوها الذي هُجِّر منها ذات نكسة عام 1967 – ما زالت تعيش داخلها..فصمتت وابتسمت…لم تجب.. لكن الجميع قرأ في عينيها أن الطفولة التي تسكنها هي طفولة الجرح..الذي لن يشيخ أبدا،و لن يصيبه “زهايمر الكرامة” الذي أصاب حكامنا.

و عندما سئلت ذات حوارعن بداياتها الأدبية أجابت بالبساطة و التلقائية التي عرفت عنها :
” بدايتي كانت من هناك حيث حملنا والدي على ذاكرته إلى الوطن بدل انتظار العودة، ورسم لنا ملامح الغيوم والأشجار والزقاق، بدايتي كانت من هناك حيث الميرمية والزعتر والعكوب والزيتونة الرومية التي كان جدي يخبئ فيها سلاحه، وحيث النسوة المكللات بالبساطة والصلابة والذاكرة المشتعلة… بدأت من هناك… لكنني لا استطيع ضبط بدايتي تماما كما أن لا أحدا يستطيع ضبط بداية مشيه وكلامه!!”
هذه هي الأديبة الفلسطينية والإذاعية نردين عباس مطر أبو نبعة..التي تعمل حاليا كمعدة و مقدمة برامج في إذاعة حياة اف ام من خلال برنامج حكي بنات و هو برنامج يعنى بشؤون المراهقين في عمر 15-21 سنة..كما شاركت في لقاءات متلفزة حول قضايا تختص بشؤون الطفل و تربيته،ولها عدة نشاطات أدبية كمساهماتها في لجان التحكيم في المسابقة الإبداعية الثالثة لعام 2004 لأعمال جمعية المركز الإسلامي الخيرية،كما قدمت العديد من الأمسيات الثقافية القصصية في المنتديات الثقافية الأردنية..

التقيت الأديبة نردين ابو نبعة في مدينة السينما المغربية ورزازات، قادمة من العاصمة الأردنية عمان للمشاركة في ورشة تدريبية مكثفة حول كتابة السيناريو للسينما و الدراما..

و كان معها هذا الحوار..و هي تحمل في يدها واحد من آخر إبداعاتها الأدبية و هي مجموعة قصصية تحمل اسم “بوح”.. فكان معها هذا البوح.

نبدأ بما انتهيت..ما هي آخر أعمال و مشاريع الأديبة نردين ابو نبعة؟


*- صدر لي حديثاً ثلاث قصص للأطفال عن دار المنهل للنشر والتوزيع وهي قصة” بنت ولد” وقصة
” سنسون المسكين” وقصة “اكره اسمي” .وهي قصص تتحدث في مجملها عن قضية التمييز بين الذكر والأنثى في قصة بنت ولد وتدعيم النفسية والثقة في النفس في قصة أكره اسمي وتنمية القيم الذاتية في قصة سنسون المسكين.

تكتبين للكبار..وتكتبين أيضا للصغار،كيف تستطيعين الانتقال في لحظة من عالم الكبار وآثامهم،إلى كوكب الأطفال و براءتهم؟


لم أبدأ الكتابة للصغار إلا بعدما أصبحت أماً..حينما أكتب للأطفال أشعر أني أساهم في تشكيل شخصياتهم ومعتقداتهم، فالطفل هو سر ديمومتنا وهو البوابة التي تفتح لنا أفقاً للمستقبل الذي نرجو.. وتنتابني في تلك اللحظات التي أمسك القلم فيها، مشاعر وأحاسيس لا أستطيع أن أتجاوزها إلا من خلال الكتابة للطفل،..

اشعر وأنا اكتب للطفل كأني غيمة تتطلع لري أرض عطشى للخيال والانتماء والإبداع وقد أعيش هذه الأجواء شهوراً طويلة, تم فجأة أتذكر شيئاً مفقوداً, يستدعيني للكتابة، فأتسلق جداره وأفتح عيني بدهشة، فترمي الأحداث والمشاهد شباكها حول قلمي وروحي, تستفزني أن أسافر خلالها ..في أحيان كثيرة يسيطر علي إحساس عارم بأن الأصوب هو أن نبدأ الكتابة للصغار لأنهم أمل الأمة في التغير وأنهم الجسر الذي من خلاله سنتخلص من إحباطنا ونعتلي صهوة أمجادنا , وإذا بي فجأةً أسأل نفسي أيكفي هذا الجسر لنصنع نبوءة أمل، أتكفي هذه الكلمات لتصنع رياحاً مضادة, فأواصل الكتابة لأصنع صمودا ًآخر على جبهة أخرى.


يعرف عن ناردين أبو نبعة اهتمامها كثيرا بأدب الطفل سواء من خلال الكتابة أو الدراسة..في اعتقادك هل للطفل العربي أدب يحترم تفكيره و ذكاءه ..كما يحترم قيمه و هويته؟


الحمد لله هناك توجه جديد يسير في هذا الاتجاه، مع أنه توجه ضعيف، لكن حتى نتفاءل لا بد أن نضع أدب الطفل في مكانه الصحيح حتى نستشرف المستقبل بشكل واقعي.
لكن أعتقد انه مازالت هناك هوة كبيرة بيننا وبين أن ننتج قصص تحترم عقل الطفل وإدراكه, ولا تستخف به، قصص تجعله يدرك واقع أمته، ويحمل همها، ويلمس جرحها دون أن نخدش براءته، وغالبا القصص الصادرة لا ترقى إلى هذا المستوى للأسف.

كيف تقيمين حركة – ما يسمى الآن- بأدب الطفل في العالم العربي؟


أدب الطفل العربي متأخر جداً, ويسير ببطء شديد ،بمعنى أننا نراوح مكاننا منذ أمد بعيد جداً ،عدا عن أن عدد الكتب الصادرة للأطفال في الوطن العربي ضئيل جداً مقارنة بما ينتج في الغرب, بحيث لو قسمنا عدد الكتب الصادرة على عدد الأطفال في العالم العربي والإسلامي فنصيب كل طفل سيكون نصف كلمة وهذا أمر يدعو للسخرية .!!! .إن مشاكل أدب الطفل كثيرة وكل واحدة تحتاج إلى إعمال العقل وتسخير الجهد وبذل المال والوقت. القصة العربية الآن بعيدة عن الخيال العلمي، وتنمية القيم الذاتية وتدعيم النفسية وفتح آفاق الطفل على الابتكار والإبداع, وحتى نخرج من هذه الدائرة لابد من خلق معايير دقيقة لإجازة كتب الأطفال والارتقاء بها إلى مستوى طموح الطفل العربي ،وهذا الأمر يحتاج إلى ورشات عمل ممنهجة، وتفعيل وتطوير للموجود، ودعم نفسي ومادي للمبدع ’وتضافر جهود الجهات الرسمية مع الفردية لأنه من المستحيل أن نجني محاصيل وفيرة دون أن نعتني بالبذار.

من يقرأ كتاباتك يدرك فورا أن جرحك الأول (الوطن) يسكنك..و ربما تسكنينه.. كيف يمكن للجرح الفلسطيني أن يؤثر على إبداعك..و ما مدى حضوره في كتاباتك ؟
الجرح الفلسطيني ليس جرحاً فلسطينيا, إنه جرح أمه بقصة واحدة ونزف واحد .
كثيرا ما أتحاشى الجرح النازف في كتاباتي، وأحاول أن أنحاز للاجتماعي ولكني أتفاجأ بأن الهم الفلسطيني يخلو بي يعاتبني، يطاردني, على كل سطر ومع كل حرف ورفض، فانحاز إليه وينحاز لي، وأتساءل دوماً لماذا هذا الجرح يستوقفني بكل تفاصيله, وفي كل لحظات حياتي، ولماذا تتحول كل الجراح على امتدادها في الوطن العربي لجرح واحد، له معنى واحد وإسم واحد.
باختصار لا مساحة لجرحٍ آخر، والكلمة التي تشعل الذاكرة والقلب ليست إلا إشارة ضوئية على الطريق وجسر.

كلمة أخيرة؟
لا بد أن نتحرش بالجرح دوماً حتى تبقى الحماسة في قلوبنا ويشع النصر من صدورنا, ولو كان العمر بضع كلمات يتكئ عليها أحباب الحرية في طريقهم للنصر لكفتنا تلك الكلمات مئونة الطريق لرضا الله . كل المحبة لقراء الجزيرة توك.

قراءة سريعة لبعض كتاباتها

*هذا الحوار أجريته مع الكاتبة نردين أبو نبعة في ورززات المغربية عام 2007

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير