دون بلا حدود ..على الجدران!

بقلم: مصطفى البقالي

هنا قد تجد كل شيء.. خربشات لا معنى لها، وأخرى تحمل أكثر من معنى،و رسومات جميلة، و أخرى لا تشبه الرسم في شيء .. ربما تجد إعلانات..

هذه تخبرك بموعد محاضرة ما و أخرى تندد بموقف سياسي لحزب معين..
وقد تخبرك بموعد مباراة ما.
كل هذا وأكثر تجده في في جدران المدينة العربية، حيث لحرية التعبير معنى آخر قد لا تجده في أي مكان.
وحين تصير الجدران مدونات تعبر عن ضمير المدينة وهمومها ومشاعرها المكبوتة وذاكرة شعبية تقاوم النسيان.. يصبح للتدوين معنى آخر..



يرجع البعض تاريخ بداية ظاهرة ” الكتابة على الجدران” إلى العصر العباسي بعد إقامة نظام العسس.
ويرى آخرون أان الظاهرة بدأت مع شعراء المعلقات حين حولوا جدران الكعبة إلى منبر تعلق فيه أمهات القصائد.

بينما يسافر آخرون في دوامة ” الكرونولوجيا “أ كثر و يؤكدون بأنها ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ بدليل النقوش والرسومات المكتشفة في الكهوف والحجر.

في المغرب.. . الاستعمار الفرنسي.. صارت الكتابة في الجدران سلاحا في يد المقاومة المغربية بعد أن أصبح تنظيم الاجتماعات وتوزيع المنشورات مخاطرة كبيرة .
فالجدار في تلك المرحلة المهمة من تاريخ المغرب أصبح وسيلة إعلامية مهمة..
ففيه يكتب المقاومون آخر المستجدات على الساحة ومقارعة الاستعمار..
وفيه تدون الشعارات الحماسية التي تدعو إلى إخراج المحتل ومساندة المقاومة الوطنية، و تشجع على المضي قدما في طريق الجهاد، وأخرى تدعو الجماهير إلى الخروج إلى الشارع.

وأخرى تنادي بموت العملاء و الخونة كالباشا “الكلاوي” الموالي للاستعمار و “بن عرفة” الذي نصبته سلطات الحماية ملكا على المغرب عندما تم نفي محمد الخامس.
وبعد أكثر من 50 سنة من الاستقلال تغيرت مواضيع الكتابة..
ولكن الظاهرة بقيت كما هي..

“الجزيرة توك” نزلت إلى الشارع لتستمع إلى الناس من خلال ما يقوله الجدار..
فلنستمع إلى ما تقوله جدران الرباط..
فهذا عبر عن موقفه تجاه قضية فلسطين وكتب بالبنط العريض شعارا يردده المتظاهرون
في كل الوقفات المساندة للشعب الفلسطيني:
“من المغرب لفلسطين .. شعب واحد مش شعبين”

و هذا حول هذه الجدران إلى لوحة كبيرة اختلطت فيها الألوان بالأشكال بالمعاني..

وهناك من فضلوا تخليد أسمائهم واسم الفريق المفضل لديهم..

وآخرون كتبوا على جدران ثانويتهم :أسماء ورموز غريبة وألقاب قد لا يعرف معناها
سواهم..والغريب أنها كتبت تحت اسم المجاهد المغربي المعروف “عبد الكريم الخطابي”..

(الصور غير متوفرة)

وهنا تحول هذا الجدار إلى مكان تعلق فيه الإعلانات وأخبار “المعارك النضالية”
وتنشر فيه مواهب الطلبة في الشعر والقصة وغيرهما..

أما صاحب هذا الجدار الموجود في أحد أقسام كلية الآداب بالرباط فقد فضل أن يجعل منه
رسالة “لا تتحرك” تذكر الجميع بالغاية التي خلقوا من أجلها.

لكن الجدران لا تخلو أحيانا من بعض الكتابات الخارجة عن الأدب والذوق العام.
كما لا يجب أن ننسى كذلك بأن بعض علماء النفس يعتبرون ظاهرة الكتابة على الجدران “مرضا نفسيا” ناتجاً عن الكبت.

وما دمنا نتحدث عن ظاهرة فيجب على المختصين والباحثين إعطاء الظاهرة ما تستحقه من اهتمام، و محاولة تهذيبها والبحث عن مكمن الداء.

ورغم كل ما يمكن أن نقوله في هذا الشأن..

يبقى شعار ” أدباء الجدار”- كما يحلو للبعض أن يسميهم –

” دون بلا حدود .. فالجدار يسع الجميع”

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير