رحيل!

13150_94892852nw8مصطفى البقالي:

يجول بعينيه في أرجاء الغرفة، ويعود بهما إلى الحقيبة الضخمة !
يمد يده إليها ويخرج الفستان البنفسجي الذي ارتدته زوجته في لقاءهما الأول ذات مساء في محطة القطار.
تباغته ذكريات جميلة..ويبكي حين يتذكر ابتسامتها الخجولة حينما قال لها في ذات اللقاء:
– أنت جميلة يا منى!

يخرج قلما وورقة من جيبه ويكتب:
” ما أغربنا..نخاف من الحزن ..ونخاف أن ينشر ظلاله على حدائقنا..
ونخاف من السعادة..عندما نتذكر أنها ستصبح ذكريات موجعة..
نحب السفر..ونتشائم من المواعيد التي تأتي صدفة في المطارات ومحطات القطار، ربما خوفا من أن تهرب أحلامنا في حقيبة امرأة غريبة نلتقي بها عرَضا هناك!!..

ما أغربنا حينما نحاول أن نهرب من المكان، ستائر البيت الزرقاء، رائحة الحدائق في قنينات العطر الفارغة التي كانت تهوى حبيبتك جمعها قبل أن تقرر الرحيل عن كوكبك..وتحلق عاليا..
لماذا نهرب إذن،
وممن ؟؟
من الذكريات؟؟
أم هربا من الخيانة لأنك تحس انك تركتها تحلق وحيدة وبقيت في العش كأي عصفور جبان..

لكن… هي لم تختر الرحيل ولم تخبرك بأنها راحلة..وهذا ما يزيد من حنقك!!

ما أغربنا حينما نحاول أن نتخلص من ذكرياتنا وكأننا نتخلص من سلاح الجريمة..
لكننا نتورط أكثر بمجرد هطول ذكرى صغيرة لابتسامة، أو لكلمة، أو حتى عند رؤيتك للون تحبه امرأتك وأنت تتسكع في الشارع.

قد تتخلص من المكان فيزيائيا..لكنك بالتأكيد لن تستطيع التخلص من ذكراه عندما تعانق رائحة عطر من تحب جدران بيتك الصغير!”.
يضع النقطة الأخيرة على كلماته في الورقة..
وينظر طويلا إلى الحقيبة الضخمة..

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير