قطارات لا تعود

(1)
وقفتُ أنتظر شيئاً لا أعرفه
أقرأ ما تركه الراحلون
دمعاً على خد السماء
أنظر إلى وجهي
في خطوات الرحل
في الصحراء
أقترض من اللقالق شوقها للمطر
أدخن حشيشة همومي
في محطات لا أعرف اسمها..

أسأل حامل الأمتعة المتعب:
متى يأتي القطار؟
يجيبني وهو يدفع ألف عام أمامه:
“لا أذكر يا سيدي
في ذاكرتي تسافر القطارات ولا تعود
أحمل بيدي آلاف الحقائب
وأعود في المساء بكيس الخيبة..
لا تسألني عن موعد القطار
فأنا المسافر دوماً
دون بوصلة
دون مدن
دون قرار”

ثم حمل حقيبة جديدة ورحل!

(2)
قال العاشق لذات الفستان الرمادي
في المقعد المقابل:
“سيعتقلني رجال الأمن،
سأكره وطني المسروق كثيرا..
سأحب وطني الذي في عينيك أكثر
سيقتلع رئيسهم عيني اليسرى
بسبب ابتسامتي الساخرة
وكبريائي المتهم بمحاولة قلب نظام الحكم
وإن خرجت من مسلخي
سأتزوجك”
ضحكتْ..
وعانقته!
(3)
لم ينتبه طفل في الرابعة لحديث العاشقَيْن
لكنه سأل أمه عن معنى الحدود..
تشير صامتة
إلى الباب الفاصل
بين الدرجة الأولى والثانية
في القطار القادم من الشرق.
(………)

ينشغل بلعبته
وينسى الكلمة التي سمعها
في التلفزيون..
(4)
الرجل يختفي
والحقائبُ
ينام الطفل
في حضن أمه
يرحل العاشقان
مع أحلامهما
وأبقى واقفاً
أقرأ ما تركه الراحلون من دمعٍ على خد السماء
أنظر إلى وجهي في خطواتِ الرحّل
في الصحراء
وأقترض من اللقالقِ شوقها للمطرِ!

—-
مصطفى البقالي
كتب النص في القطار بين الدار البيضاء والرباط 2010
الصورة في نيويورك، مارس 2019

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير