في مرحلة الطفولة والمراهقة كانت تربطني بجهاز الراديو علاقة رائعة، لم تعكر صفوها هوايتي الغريبة التي كانت تدفعني إلى تفكيكه واعادة تركيبه من جديد!
كنت أحب الاستماع للاصوات العميقة التي تزيد المعاني بهاء ووضوحا..وكنت مقتنعا بأن الاذاعات القادمة عبر الموجات القصيرة تجلب معها حنيني لزمن اللحن الجميل..وإرث السنباطي والقصبجي وحنجرة أم كلثوم الذهبية، وصوت عبد الحليم عندما يغرد “قارئة الفنجان” و”أهواك”..وعبقرية فريد في “لحن الخلود” ورقة “فيروز” وجمال ماجدة الرومي منصهرا في “كلمات” نزار قباني، أو ابداع محمد عبد الوهاب في “الجندول” و”يا مسافر وحدك”..ولوعة اسمهان في “امتى حتعرف”..
في تلك الفترة الجميلة كنت مدمنا على متابعة برامج إذاعة طنجة بعد منتصف الليل وبعض برامج الاذاعة الوطنية، والتنقل بين الاذاعات العربية القادمة من عواصم مختلفة، إلى أن يستقر المؤشر على راديو البي بي سي الذي أمتع المستمع العربي لعقود، فأضحت دقات “بيغ بين” ولازمة”هنا لندن” مرتبطة عند المواطن العربي بأهم الأحداث التي عرفها العالم منذ الثالث من يناير كانون الثاني عام 1938.
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=u7ClOyXMK4c]
ومن بين الأصوات الاذاعية الأصيلة التي لم تغادر ذاكرتي، أجد صوت محمد الصالح الصيد و حسام شبلاق ومحمود المسلمي الذي يصف مذيع الأخبار في أحد حواراته بـ”الطيار الذي يمضي حياته على الهواء.. للوصول إلى بر الامان، على أن يكون على استعداد للاقلاع كل مرة كأنها اول مرة”..
وما دمت أتحدث عن الرواد، أقترح عليكم هذه القصة القصة القصيرة الجميلة التي زادها صوت المسلمي جمالا وعمقا وأبعاد أخرى!
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=njA8FoUmYNU]
ورغم أن التلفزيون والانترنت سرقا منا لحظات جميلة ترتقي فيها متعة الأذن..ويتسلق فيها العقل همالايا الخيال، إلا أن الاذاعة تحتفظ بسحرها الخاص وروادها وجمهورها..فالزمن رغم تسارعه لا يستطيع القضاء على أي وسيلة إعلامية..وإن كان قادرا على الحد من فعاليتها!
ومن الطريف أن أحد السياسيين أخبرني في حوار جانبي بعد لقاء تلفزيوني أجريته معه قبل أشهر، انه تعود على إلقاء التحية على سائقي الشاحنات في كل حواراته الاذاعية.. فقد أصبح مقتنعا كما يقول بأن لا أحد يستمع لكلامه في تلك اللحظة سوى سائقي سيارات الأجرة وأصحاب الشاحنات الكبيرة.
ما رأيكم إذن فيما قاله صديقنا السياسي؟
وما هي الاذاعات التي تستمعون لها؟ وما هي البرامج والأصوات التي تفضلونها؟
وهل يشكل الراديو جزءا من ذاكرتكم؟
تحديث: 11 مارس 2012
أطلقت إذاعة “بي بي سي” العربية برنامجا إذاعيا اسبوعيا جديدا يحتوى على تسجيلات نادرة من أرشيف الإذاعة منذ نشأتها عام 1938.
بإمكانكم متابعة حلقات برنامج “ذاكرة اذاعة” من هنا
