الدم ليس بريئا!

هكذا أنا، لا أحب البحر كثيرا..قيل لي وكيف يكون الشاعر شاعرا وهو لا يحب البحر: فكرت أن أخبرهم أن أهل البرمجة اللغوية العصبية يقولون إن العقل يبنى مواقفه وأفكاره على آخر تجربة مر بها الانسان، لذلك كرهت اسمه عندما ارتبط في نشرات الأخبار بالدماء..

“بحر من الدماء”: هكذا قالها المذيع، وكان مبتسما حينها.. في الأخير فضلت أن أقول لهم إنني كدت أغرق في مياه الأبيض المتوسط ايام الطفولة، وهذا سبب معقول لتكوين العقدة..وابتسمت بعدها كما فعل المذيع!
أحيانا يوهمنا البحر بأنه ساكن، وديع وهادئ. وبمكر عظيم يجعلنا رذاذ موجه نتذكر كل الاشياء الجميلة، قبل أن يرمي بنا فجأة نحو غيابات الحزن. يذكرنا ملحه بالدموع، بكل السوائل التي أهرقت في نكسة قديمة، أو حزن متجدد..هل الدماء مالحة؟
تقول ويكيبيديا: ” يتكون الدم من خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والبلازما والصفائح الدموية وهو نسيج ضام، وهو ضروري جدا لكثير من الكائنات الحية مثل الإنسان والحيوانات..” لكنها لم تخبرنا عن طعم الدماء..
الدم اذن متهم بتكوين “الخلايا” لذلك استبيح بسبب القوانين الجديدة مثل “قانون الارهاب” و “قانون حظر التجوال” و”قانون السير”، لكن ويكيبيديا لم تذكر توجه هذه الخلايا والايديولوجيا التي تحركها، ولا أعتقد أن الاشارة إلى اللون “الأحمر” تعني شيئا هنا، شيء يصلح أن يكون تهمة ، كالشيوعية مثلا..لا لا..الشيوعية موضة قديمة، هناك اليوم تهم جديدة وجاهزة وصالحة لكل زمان ومكان..

الأحمر لا يعني شيئا دائما، لون متناقض، مرتبط بالدم، وبالحب والفالنتاين، تحبه النساء، ودور الأزياء في باريس ونيويورك وحي الموضة في ميلانو ” كوادريلاتيرو ديلا مودا “، وإيف سان لوران..رغم أنهم قرروا هذه السنة أن يفسحوا المكان للبرتقالي مؤقتا!
و لا أعتقد أن “الأبيض” يعني شيئا هنا أيضا، الأبيض لا يصلح أن يكون تهمة، لون متواطئ، فضفاض، بدون معنى تقريبا!
لكن ان انتبهتم للتعريف جيدا فهو يضم كلمة ملغومة، وغريبة: إنها ضام!
لها وقع على النفس، ويستحسن أن يرافق نطقها شيء من موسيقى جيمس بوند أو سلسلة The Pink Panther وأنصح بشدة بتلك التي تصاحب ظهور شيريخان في المسلسل الكارتوني ماوكلي..والأهم من كل ذلك أنها كلمة تصلح أن تكون تهمة، وصف “الضامين” قريب جدا من كلمة “الضالين” وغير بعيد عن “المخربين” و”الماسونيين”..
اذن ضام في البيولوجيا، مجرد نسيج رابع في جسم الانسان، لكن المعجم يرى أنه “رباعي متعد بحرف” ان وضعت “الشدة” على الميم ويمكن أن يكون “ثلاثي متعد” إن سحبت منه، وله علاقة بالضَّيْم، كما أنه “متعد” متجبر وله علاقة ما بالتشدد..فحركات الحروف تشبه الحركات السياسية أيضا..”فتح”، وضم (ضم نصف ضمير)، و”كسر”..
إذن فالدم تغيرت أخلاقه، ولم يعد بريئا ومظلوما، ويستحق السفح والإهراق..
الدم يُكَوِّن الخلايا ويهدد أمن وسلامة المواطنين..لذلك وجب التخلص منه بسرعة،
القتل والسحل هو الحل..قال قائل!
في هذه الأثناء قال قائل آخر “إن الرئيس السوري بشار الأسد أبلغ روسيا أنه سيتنحى إذا اختار السوريون زعيما آخر في الانتخابات”..
فعرفت أن هناك من الناس من ابتلاهم الله بوجوه “قصديرية” يغيب عنها “الدم”، يملكون الجرأة على القتل والسير في الجنائز، يكذبون ويمثلون على الشعب دور “العبيط” وكأن رغبة الوالدين حالت دون تحقيق حلم الدخول للسينما، فقرروا أن يكونوا زعماء ..
وبما أن الدم “ضروري جدا لكثير من الكائنات الحية مثل الإنسان والحيوانات” كما تخبرني ويكيبيديا أيضا..أستطيع أن أفسر سبب قدرة هذا الكائن على إبادة شعب دون أن يرف له جفن..

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير