قراءة نقدية في ديوان “سأذهب إلى الحب عاريا”

عبد الرحيم شينكاو أثناء إلقاء كلمته

مقتطف من كلمة  الشاعر  عبد الرحيم شينكاو في حفل توقيع  ديوان “سأذهب إلى الحب عاريا”  بمدينة وزان.

قد نعدم في هذه المدينة الغريبة –من الغربة و ليس من الغرابة- أشياء كثيرة…
قد نعدم المسارح..و الحدائق و الساحات و حتى الطرقات…و كل الأشياء..
قد نعدم حتى مسؤولين في المستوى ينصفونها من ظلمين : ظلم الماضي القريب و ظلم هذه اللحظة المريرة.
نعم قد نعدم كل هذا و كل ذاك….
لكننا قطعا نحن و المدينة لن نعدم الفنانين و لا الفنانات…الشعراء و الشاعرات و الكتاب و الكاتبات .
قد يكون من سوء طالع الحجر و الشجر أنهما صادفا أيد اعتادت خنق كل ما هو جميل.. و كل ما هو مشبع بعبق التاريخ و الذكرى….و دفنه بلا آسف..و لا تراتيل ..ولا فاتحة حتى.
و لعل من حسن حظ الفنانين و الفنانات…الشعراء و الشاعرات و الكتاب و الكاتبات أن موهبتهم أحيانا كانت أقوى و أبعد عن تلك الأيدي التي طالت الأمكنة حجرا و شجرا…و لو ان هذه الأيدي -لا قدر الله- كان قد أسعفها الزمن وفعلت بالإنسان ما فعلته بالمكان… لما التقينا هذه اللحظة و في هذا المكان لنحتفل جميعنا بحفل توقيع ديوان احد أبناء هذه المدينة الغريبة الشاعر الجميل و اللطيف الصديق و الاخ مصطفى البقالي…

فالشاعر مصطفى البقالي يرى من خلال ديوانه انه ليس ككل الشعراء فلا شيء يشبهه..
فهو الشاعر الذي يطوي المسافات و لا يهتم بتفاصيل الآخرين .
هو من يبيح الخيانة مع القصائد و يكتشف أن له ابناءا شرعيين مع لوحات لعباقرة لا يموتون…
و هو من تولد قصائده في النسيان و تعلق كلوحة مقدسة في الذكرى…
هو من تعتقل الذاكرة فكرته في حالة تلبس بجريمة هرب من مظاهرة غير مرخصة…
هو الذي يزيد حزنه المعتق بفعل غزل ناي..ممشوق الحضور في جوقة فيروزية…
هو الحالم ببناء حلم على مناقير لقالق مهاجرة….
هو مسائل البحر عن تشابه حزنيهما
هو طالب اللجوء هربا من وطن يضع الحرية وراء الشمس….و يعتقل الأحلام بتهمة العري و التسكع بلا وثيقة هوية…و يلقي بالشعراء من فوق أسطح العبارات…
هو من يبحث عن بيت شعر يختبئ فيه..
هو من يطلق العنان لأحلامه رغم أنف قرارات حظر التجوال..
هو زارع البنفسج و هو المسجى بورقة توت…
هو من تنسج روحه الهمسات…
و من يحنط اللحظة…
هو مسطر الشعر على الجلد ..و العرق وصانع امرأة من ورق…
و مشعل الحرائق…بموعد نزق..

في قراءة ليس متأنية بالقدر الكافي للديوان بحكم ضيق الوقت بين لحظة تسلمي للديوان و لحظة حفل التوقيع لمست مجموعة من الاشياء، من الرؤى و من الهواجس التي تسكن قلب و ذاكرة الشاعر .
و اجمالا يمكن القول ان الديوان الشعري عرف حضور قضايا متعددة اختلفت قوة حضورها ربما تبعا للحالة النفسية للشاعر و كذا تبعا للزمان و المكان اللذان كتبا فيهما.
شخصيا اود التركيز على خمس هواجس او خمس مواضيع في الديوان :
الهاجس الأول : الشعر
يحضر الشعر كحدث جوهري و ككائن مجرد في ديوان” سأذهب إلى الحب عاريا ” فمن خلاله يرسم الشاعر عوالم بعيدة يسافر اليها و يعود مختزلا بذلك المسافات و الابعاد …
ففي حوالي 7 قصائد من اصل 26 قصيدة اي ان 30 بالمائة من الديوان يعالج الشعر كهاجس و كحدث جوهري :
*ففي قصيدة “لا شيء يشبهني ” : كوسيلة سفر في هذا العالم و كوسيلة لخلق عوالم جديدة اجمل.
*و في قصيدة “الدمع يعشق الشتاء ” كسلاح ضد النسيان او كأداة لتوثيق الذاكرة.
* وفي قصيدة “صاد” : الشاعر هنا يعاتب حربائية الشعر و تلونه فالقصيدة تارة خائنة و تارة منافقة تبعا لحالات الشاعر النفسية المتارجحة بين العشق و الحزن
* و في قصيدة ” بعد الغروب” : الشعر هنا ملجأ و مفرا للشاعر…
* وفي قصيدة ” مهمة مستحيلة : نلمس نفس الامر حيث ان الشاعر هنا يبحث عن بيت شعر يختبأ فيه
*و في قصيدة “صاحبة الكعب العالي” :يصبح الشعر وسيلة تخدير و يدخن في غليون
و في قصيدة انذار اصفر : فيطبع الشاعر الشعر وشما على جلده.
الهاجس الثاني .: الحزن
12 قصيدة من اصل 26 حضر فيها الحزن اي حوالي 46 بالمائة من الديوان عرف حضور الحزن (14 مرة)
*”الدمع يعشق الشتاء ” شوق يجمع الحزن بالشاعر..شوق قديم او معتق
“سيدة المسافات” للحزن مواسم و ليس فقط موسم
“منقبة”.. لا يجد…..هندي حزين..
“صاحب الظل الطويل ” الحزن هنا يصبح أداة للتأريخ (قبل عشرين سنة و حزنين)
“صاد” الحزن يلزم حتى الكلمات بالتنسك
“بعد الغروب” يحضر الحزن كانه احتجاج على فرار الحرية
سكون اللحظة هنا الحزن ينتقل من الانا الى الوطن
ساذهب الى الحب عاريا الحزن و الموت او القتل
حضن يصرح الشاعر بحزنه و يساءل البحر
مجرد حلم موسم الحزن
شمعة شمعة حزينة
مهمة مستحيلة حزن باذخ
الهاجس الثالث .: الحرية
هو هاجس موضوعي اكثر منه ذاتي الا ان حضوره داخل الديوان لم يكن قويا مقارنة مع الهواجس الاخرى غير انه استمد قوة حضوره من خارج الديوان….اي من عنوان الديوان نفسه..
الهاجس الرابع .: الحب
و هو حاضر بقوة أيضا
الهاجس الخامس .: البعد و الرحيل و الانتظار
يتجلى هاجس البعد و الرحيل و الانتظار في :
قصيدة “الدمع يعشق الشتاء” ، من خلال عبارة :ذهب القطار…أكره الانتظار
قصيدة “سيدة المسافات”، من خلال عبارة :الرحيل……لا يحمل..
قصيدة “منقبة”:،من خلال عبارة :هذا القطار يحملني الى منفاي
قصيدة “صاحب الظل الطويل” ، من خلال عبارة : جسر عتيق معلق بين انتظارين
قصيدة “خربشات على لوح الروح “، من خلال عبارة : تزرع الحبق قبل السفر
قصيدة “ساذهب الى الحب عاريا” ، من خلال عبارة :و رحلت…

بالنسبة للغة المستعملة فنلاحظ تنوعا ملموسا ، فثمة حقول لغوية متعددة :
*فتارة يحلق في الفضاء و يلزمنا بمرافقته : كدلالة على رغبة الشاعر في الترفع عن واقع قد لا يستسيغه…
القمر- التبانة-النجوم- الفضاء-حلقة زحل-مجرة اهليلجة-طيران-نجمة في الافق…..
*و تارة أخرى يدخلنا الى حدائق و حقول مختلفة أزهارها و أشجارها : و كأنه يحن إلى الطبيعة-الأم: البنفسج-الحبق-الحشائش-الورد-الزنابق+النيلوفر+ مرج الزهور+السنابل…
*و تارة يدخلنا معه زنزانة و يلزمنا ان نعيش لبعض الوقت وراء الشمس ربما كدعوة منه إلى الإحساس بمعاناة …اشخاص معينين: الاسمنت-الحرية-وراء الشمس-الكرامة –شرطة-اعتقال-انتحار-وطن-مقصلة-العزة-الجلاد…
بالاضافة الى حقول لغوية اخرى تخص الحب و المرأة….
بالنسبة للمحسنات البديعية او الزخرف البديعي او الصور الشعرية، فكما هو معلوم لا تحضر كثيرا في الشعر الحديث لكن هذا لا يعني غيابها المطلق فالنصوص الشعرية لا تخلو من تشبيه و تكرار و طباقات ايجابية و سلبية ليل صباح +الشجاع الخائف+اكشف أدثر+انسى اتذكر
مراعاة النظير و لو انه غير تام
المسيه ورددي التمائم
اكتبي الطلاسم
وثمة استعارات ايضا..

 

عبد الرحيم شينكاو- شاعر  مغربي

 

 

 

 

 

 

اقرأ أيضاً

مصطفى البقالي الشاعر والصحفي

مصطفى البقالي

Mustapha El BAKKALI

شاعر وإعلامي مغربي مقيم في واشنطن
مختارات
كتابي الأخير